Rechercher dans ce blog

jeudi 25 mai 2017

الديوانة التونسية والنهب المسلح بالسلطة ...


DOUANE FM

25 05 2017






كما يقول المثل "حاميها حراميها" ذلك بالضبط ما ينطبق على عموم مؤسسة الجامارك التونسية أو ما يعرف بالديوانة فهي من المفروض "الشرطة الاقتصادية" التي يوكل إليها حماية الاقتصاد من الفساد والتهريب والتدليس والتجارة الموازية والتوريد بدون رخصة والتصدير بدون إذن وغير ذلك من المهام التي يقوم عليها هذا الجهاز في أغلب الدول، ولكن ما يحصل في تونس هو عكس ذلك تماما. 
لم يكن خافيا على عموم الشعب التونسي منذ "دولة الاستقلال" الأولى و"دولة الفساد" الثانية أن جهاز الديوانة هو رأس حربة الفساد بدل أن يكون رأس الحربة في مقاومته، فعبره تمرّ أغلب الأعمال المشبوهة وتؤشر بوصلة الفساد في أغلب القضايا تجاهه.
وما ورد في شهادة عماد الطرابلسي أحد أبرز رموز الفساد في نظام "بن عليّ" هو غيض من فيض وجزء يسير من الحقيقة!
ربّما الصدمة الحقيقية هي أن عموم أبناء الشعب "الطيّب" كانوا يعتقدون أن منظومة الفساد في هذا الجهاز سيتم تفكيكها بمجرد فرار "الحامي الأكبر للفساد" ولكن تبيّن أن الفساد عمّ وانتشر واستفحل وتعدّدت رؤوسه وخفيت أسماؤهم بعد أن كانت أغلب رموزه معروفة!
وإذا كان نظام "بن عليّ" قادرا من حين لآخر أن يضرب أحد رؤوس الفساد في هذا الجهاز أو يحاسبه حتى وإن كان السبب الحقيقي لضربه أنه طمع في عمولة أكبر من أحد الأصهار أو الأقارب، فإن هذا الجهاز بعد "الثورة" قد استأسد على الدولة وعلى المواطنين، استأسد على الدولة بنقاباته وبالإضرابات، واستأسد على المواطنين بتعطيل مصالحهم!
ومعلوم أن وظيفة "ديواني" تعني فرصة للثراء السريع خاصة في الموانئ والنقاط الحدودية والإدارات التي تُقضى فيها مصالح الناس أو تُعطل، ومعلوم أيضا أن الحصول على مواطن شغل في هذه المواقع لا يحصل عليها كل من أراد من أبناء الجهاز وإنما يُحصل عليها عبر الرشاوى والوساطة "السامية" وبعد ذلك يعمد "الأثرياء الجدد" إلى إخفاء "ثرواتهم" حتى وإن كانت هذه الثروة مسجلة باسم أقارب أو أصدقاء اتقاء لمحاسبة محتملة أو لزمن يكون فيه سؤال "من أين لك هذا" ممكنا ومقضّا لمضاجع الفاسدين!
ويُفهم مما ورد في شهادة رمز الفساد السابق عماد الطرابلسي أنه مازال متابعا وممسكا بكثير من خيوط "اللعبة" ولعلّه "يدير أعماله" من "سجنه" وذكر أن أحد أعوان الفساد في مؤسسة الديوانة قد بلغت به الوقاحة الاستخفاف بوعي الناس فمدّت الأموال التي جمعها من فساد أعناقها وشجّعته ليكون أحد مرشّحي الرئاسة في انتخابات 2014.
قد يشكك البعض أو يعتقد أن في هذا الكلام تحامل على مؤسسة الديوانة ولكن مجرّد ذكر مسألة واحدة يفنّد ذلك، حيث أنه من المعروف والمسلّم به حاليا من قبل خبراء الاقتصاد أن نصف الاقتصاد التونسي أو يزيد اقتصاد مواز لم يمرّ عبر القنوات الرسمية ولا يعرف لعموم الناس والمستهلكين مصدره أو أصحابه "الكبار" فمن أين دخلت كل هذه البضائع أو من أين خرجت ونحن نتحدث عن عشرات المليارات من الدينارات، ولا نتحدثّ عن بغلة محملة ببعض البضائع دُرّبت من قبل مهربين لتعبر وحدها الحدود بين الجزائر وتونس أفلتت من الرقابة!
ولم يكتف أعوان الديوانة بما ينالونه من عمولات أو شراكة في الصفقات المشبوهة والبضائع المهربة والتلاعب بالضرائب، كأن تسجل حاوية فسدق مستورد على أنها حاوية حمص أو بضاعة أقل كلفة، وإنما مرّ جشعهم إلى عموم المهاجرين الذين قد يعمد بعضهم للاتجار في مسائل صغيرة أو خردة يجمعونها من أسواق المستعمل في أوروبا أو من الشوارع ولكنهم لا يتمكنون من إدخالها إلا بتقديم رشوة للحمّال والعون! وهي ممارسة مرفوضة ومدانة من الطرفين!
وإذا تجاوزنا الحديث عن هؤلاء وهم في كل الأحوال قلة مقارنة بعموم العائدين لوطنهم من أجل العطلة فإن طمع أعوان الديوانة وجشعهم لا يفلت في غالب الأحيان أحدا وإذا كان العائد عبر الميناء في سيارته وحيدا أو مع زوجته وأبنائه وكانت كل أموره سليمة ليس معه ممنوعات ولا بضائع مورّدة ولا ما يستلزم التصريح والأداء الضريبي وكان هذا المواطن "عينو صحيحة" وليس مستعدّا أن يدفع رشوة لحمّال أو عون وتجاهل دعوات "أفرح بينا"! ... "مشّي حاجة"! ..."النبيء يقبل الهدية"! ... "إحنا نخدموا في بلادنا وإذا تفرحوا بينا ما فيها باس"! وأراد أن يقوم بإجراءاته بشكل عادي فإن الوجوه تتجهم و"المشامية" تبدّل فيعامل ذلك "المواطن" معاملة البعير الأجرب "اقعد غادي"! ... "استنى تو يجيك" ... ومن حين لآخر يمرّ أحدهم جنبك ويوهمك أنه سيتمم إجراءاتك ثم يتعداك ويمرّ! ... وأحيانا يسألك: "وين قلت امروّح أنت"؟ بمعنى يجب أن تفهم إن كان مازال أمامك سفر طويل للجنوب أو للوسط أو الشمال الغربي فما عليك إلا أن تسارع بدفع ما ييسر خروجك من الميناء بسرعة كي تواصل سفرك!
وأما مسألة الإعفاء الضريبي التي يتمتع بها كل مهاجر بما قيمته 2000 د.ت على ما يجلب معه من بضائع فإن السيد مسؤول الديوانة يقدرها على هواه و"يخربش" وفق ذلك ما شاء على جوازك ولا عالم بحكمه ولا راد له إلا الله!
وكذلك مسألة تقدير البضائع التى تستوجب دفع ضريبة كأن يأتي المهاجر بخزانة ملابس أو مرافع مطبخ أو غير ذلك فإن السيد الديواني يقدرها حسب هواه وحسب "كرمك" معه ولا يصارحك بما قدّر بل تذهب بورقة مكتوب عليها طلاسم وفي الخزينة عند الدفع تكتشف المفاجأة!
النقاش ممنوع وليس هناك مرجعا يحتكم إليه أو يبين ما لك وما عليك! وكذلك هب أنك أردت أن تتظلم ضدّ عون فليس أمامك أي شي يحيلك على هويته أو بياناته الشخصية كما في الدول التي تحترم نفسها حيث أن كل عون في الديوانة أو الشرطة أو الحرس أو الجيش يحمل على صدره وجوبا بطاقة معدنية مدون عليها بياناته الشخصية بشكل واضح ومقروء وتلك هي الخطوة الأولى للمراقبة والمحاسبة!
ليس من المهاجرين من لم ير أو يسمع أو يعش مثل هذه الحكايات المتكرّرة في كل رحلة تقريبا! ...حتى أن المرء يتساءل أين ما يتحدثون عنه صباحا مساءا وأيام العطل عن مكافحة الفساد وتيسير عودة المهاجرين!
وأما إن قدّر الله عليك وعدت لبلدك مصطحبا سيارة وفق "نظام العودة النهائية" (الآف ساي آر) فمعنى ذلك أنك شخص ميسور ولتتمّم إجراءاتك يجب أن تدفع ذات اليمين وذات الشمال وإن أردت أن توفر عن نفسك "الصداع" فيجب أن تدفع أوراق السيارة مع مبلغ من المال 300 د.ت أو تزيد لأشخاص معروفين سماسرة أو ما يعبّر عنهم ب"ترانزيتور" فهؤلاء "يَطعمون ويُطعمون" وعندها تصبح "قضْيْتك مقضية"!
أما إن أردت أن تسوّي إجراءاتك بنفسك فيجب أن تكون مستعدا للنزول والهبوط "وأرجع غدوة" " وبرّا صورلنا الورقة هاذيكا" "وجيبلنا الوثيقة الفلانية" وإن أتيت بالمطلوب لا تجد من طلب منك ذلك ويقولون لك "تو باش نسكروا وارجع غدوة الصباح رباح وتو تلقى سي فلان "! ... ويتكرّر المشهد!
وأما إن فاتك أنه كان عليك أن تختم ورقة أو عقدا في السفارة التونسية في بلد إقامتك فإن عليك أن تغادر بسيارتك تراب الوطن لتفعل ذلك خارج الحدود، وهو عادة طريق معروف باتجاه مدينة القصرين ومعبر بوشبكة الحدودي مع الجزائر وإن نجوت من قطاع الطرق فلن تنجو من المرور بعدّة دوريات للديوانة والحرس والشرطة وكلها تعرف مقصدك ومشكلتك وكلها تريد منك أن "تفرح بها وتدفع مبروك السيارة الملعونة" وإن لم تفعل فلن يعدموا وسيلة لتأخيرك أو تغريمك!!
ولا ندري أي مصلحة في هذه "القوانين" المتخلفة والممارسات الأشدّ تخلفا، وما المانع مثلا أن يأتي مهاجر تونسي بسيارته التي تتوفر فيها شروط التحويل إلى سيارة تونسية ثمّ يأتي مهاجر آخر يريد أن يشتريها منه في وطنه فيدفع له ثمنها ويدفع معلوما محددا لخزينة الدولة فتحوّل السيارة من جواز مالكها الأول إلى جواز مالكها الثاني دون حاجة إلى رحلة عذاب محفوفة بالمخاطر و"شماتة" لا مبرّر لها فينتفع هذا وذاك والدولة دون ابتزاز ولا رشوة!!
وأما إن تحدثنا عن اتمام الإجراءات المتعلقة باستخراج الترخيص المؤقت لجولان السيارات الأجنبية المعروف ب"الديبتيك" الذي يتم عادة في الباخرة فهو في حد ذاته كابوس قد لا يفوقه عسرا إلا المرور على الصراط! ذلك أن جموعا غفيرة من المهاجرين تقف في صفوف لساعات طوال في بهو ضيق ولمهام مختلفة أعسرها استخراج الوثيقة المذكورة ويزداد الطين بلّة حين تتعطل التهوئة أو تضعف مع سجائر أعوان الديوانة وبعض المهاجرين مستخفّين بلوحات "ممنوع التدخين" المعلقة في كل ركن!
ويعتمد عون الديوانة على الأجهزة المتوفرة لديه لتسجيل بيانات السيارة وهو ينقر الحروف والأرقام بإصبع واحد نقر الطيور للحبّ!
وهي أكثر عملية تأخذ وقتا وتهلك أعصاب المسافرين الذين قدم أغلبهم من أماكن بعيدة ممنين أنفسهم بقسط من الراحة بعد إنهاء إجراءاتهم، والأصل أن الحل يسير جدا وغير مكلف حسبما يقول أهل الخبرة فليس أيسر من مدّ المسافرين بالمطبوعات الضرورية يملؤونها بأنفسهم وتكون مهمة عون الديوانة مجرد مقارنة للبيانات وتكليف القارئ الآلي بنقل المعلومات وتخزينها في حواسيب الديوانة! وهي عملية قد لا تستغرق أكثر من دقيقة إن وجدت الإرادة! ... ولكنّنا لا نحب التيسير على العون والمواطن!
مقاومة الفساد تحتاج إلى وعي وهبّة من كل المواطنين المقيمين والمهاجرين وذلك باحترام القانون واجتناب المخالفات! ... ويجب أن يكون من ثقافتنا التي نربي عليها أبناءنا أننا نتحمل مسؤولية أخطائنا ومخالفاتنا ولا نحلّها بالرشاوي والفساد فيكون الجرم جرمين!
بقي أن ننوه في خاتمة هذا المقال أن بأن الممارسات على أرض الواقع أبشع بكثير مما دُوّن أو قيل، وننوّه أيضا وهي شهادة حقّ أن الشرفاء موجودون في كل المؤسسات والأماكن وأن في قطاع الديوانة رجال صادقون ومحترمون يقومون بواجباتهم بعفة واحترام ولا يمدّون أيديهم إلى ما ليس لهم. ولا شكّ أن كل منّا قد صادف منهم نفرا أو أنفارا ولكنهم للأسف الأشجار الطيبة التي تحجبها غابة الفساد، على أمل أن تتحول الأشجار المثمرة إلى غابة وأن يتحوّل الفساد إلى أشجار معزولة!
ولكن ذلك لن يكون إلا بالتوعية والرقابة والمحاسبة!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire