Rechercher dans ce blog

vendredi 31 mars 2017

الفساد في قطاع الديوانة.... مَنْ يُوقِفُ النّزيف؟!


DOUANE FM

31 03 2017







أصبح هناك توافق وطني أن الفساد أصبح يشكل خطرا على تونس واقتصادها و مستقبلها حيث أن مختلف المؤسسات الحكومية تعاني من ظاهرة الفساد الإداري والمالي، وبدأت تلك المظاهر تتسع باستمرار لتأخذ أشكالا عديدة ومتنوعة، يتفنن أصحابها من أجل الحصول على المكاسب المادية والمعنوية عملا بالمبدإ «الميكافيلي» القائل «الغاية تبرر الوسيلة».
وقد خلصت جميع الأرقام والدراسات والبحوث إلى أن ظاهرة الفساد في بلادنا أصبحت حالة وبائية، وبسببه أصبحت تونس في وضع حرج حيث تخسر سنويا 4 نقاط نمو ، نقطتان على تفشي الفساد ونقطتان على غياب آليات الحوكمة الرشيدة وهو ما يساوي خسارة وضياع آلاف المليارات على البلاد التي تضطر حكومتها إلى التداين والاقتراض وإثقال كاهل الدولة بالديون. حوادث كثيرة تثبت تورط أعوان الديوانة في الفساد والتهريب والتستر على المهربين مقابل المال. ففي مارس 2015 هزّت قضية الشماريخ المهرّبة بصفاقس الرأي العام بالإضافة إلى اتهام الديوانة بأنها السبب الرئيسي في إغراق السوق بالسلع المهربة والتجارة الموازية التي فاقت الـ50 بالمائة.
وقد أجمع عدد من المتابعين و الملاحظين على أن القضاء على الفساد في قطاع الديوانة لا يقتصر على إدانة الأعوان بل يستوجب إعداد بيئة طاردة للفساد، وهو ما تجلى من خلال إعداد مدونة سلوك للقطاع بهدف التأسيس لعون ديوانة يحترم التراتيب ويتجنب السلوكيات المتعلقة بالفساد. لذلك وككل الدول الجادة في مقاومة الفساد تم وضع إستراتيجية وطنية و آليات جديدة لمواجهة هذه الآفة و اجتثاثها. فما هي أبرز هذه الآليات؟ وهل ستكون فعلا السبيل لمقاومة الفساد في هدا القطاع؟ بحثنا في هذا الموضوع للكشف عن أبرز مظاهر الفساد في قطاع الديوانة و معرفة إستراتيجية الدولة في حربها على الفساد في قطاع الديوانة وفي قطاعات أخرى.
رغم أن التونسيين قد ثاروا على الرئيس المخلوع لأنه كان يمثل نظاما فاسدا،إلا انه بعد رحيله لم نتخلص من الفساد بل زادت هذه الظاهرة استشراء، فبعد أن كنا نعاني من عائلتين وزعيم عصابة أصبحنا اليوم نعاني من عديد العائلات وعديد الجهات والأطراف وهي بصدد تكبيد المجموعة الوطنية والدولة التونسية خسائر فادحة في نموها وفي سمعتها.
ولئن كشف تقرير لمنظمة الشفافية الدولية الصادر في 25 جانفي 2017 حول مدركات الفساد في العالم لسنة 2016 أن تونس من بين الدول العربية التي أظهرت تحسنا طفيفا في المؤشر حيث احتلت المرتبة 75 عالميا و 7 عربيا، بعد أن كانت في المركز 76 سنة 2015. إلا أن تونس و بشهادة جل الملاحظين لا تزال غارقة في الفساد.
وفي هذا الجانب قام البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالتعاون مع منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية بتقديم نتائج الدراسة المسحية حول «الفساد اليومي في عيون التونسيين اليوم خاصة في مجال الإدارة العمومية والخدمات العامة» هذه الدراسة شملت 1205 مستجوب من كامل ولايات الجمهورية 50 بالمائة منهم يرون أن درجة الفساد وانتشاره باتت اكبر بعد الثورة في حين يرى ٪36 أن الأوضاع مازالت على ما هي عليه. أما عن مجالات انتشار الفساد يحتل القطاع العام المرتبة الأولى بـ٪79 في حين يرى ٪21 من المستجوبين ان ممارسات الفساد مستفحلة في القطاع الخاص.وتبين ان درجة الاستفحال تبدو كبيرة في قطاع التشغيل يليه قطاع الديوانة ثم الضرائب والأمن والقضاء.
80 من الذين قدموا شكاوى بسبب تعرضهم إلى الابتزاز قد وقع تجاهل شكواهم اما بالنسبة للأسباب التي دعت الذين لم يتقدموا بشكوى فقد اعتبر ٪33 ان الرشوة أصبحت ضمن العادات والحياة اليومية وذكر ٪24 انهم لا يعرفون لمن يتجهون للتشكي.
أما بالنسبة لدور الفاعلين في مجال مكافحة الفساد يعتقد ٪62 بأن دور الدولة والحكومة في هذا المجال ضعيف.

الديوانة في قفص الاتهام

بات الفساد الإداري آفة إدارية متفشية في القطاعين العام والخاص على حد سواء في جميع دول العالم دون استثناء، حتى أنه لا يكاد يمر يوم دون أن تطلع علينا وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة بأخبار عن هذا الداء العضال. وكثيرا ما توجهت أصابع الاتهام إلى قطاع الديوانة لضلوعه الكبير في ملفات و قضايا فساد و لعل هذا ما تؤكده التصريحات و الأخبار اليومية حيث كشف وزير الوظيفة العمومية والحوكمة المقال من منصبه عبيد البريكي في هذا الإطار عن عدد من عينات «ملفات فساد» قال أنها بحوزته لما كان على رأس الوزارة وتعلقت بالديوانة، وقال أن بحوزته عدة وثائق تحتوي على سلسلة من الجداول والأرقام تخص موردين تونسيين لم تستخلص منهم الديوانة التونسية المعاليم المستحقة عبر التصاريح الديوانية اللازمة وفق تصريحه ، مبرزا أن الأموال المتخلدة بذمة هؤلاء الموردين والخطايا المتعلقة بهم تعد طائلة ولم تستخلص منذ عدة سنوات لافتا إلى أن احد الموردين لديه ديون تجاه الديوانة التونسية تناهز 211 مليون دينار.

رشوة ومحسوبية

ما فتئت الحكومة التونسية تؤكد أن الإستراتيجية التي اعتمدتها لمكافحة الفساد تلائم بين الأبعاد القانونية والتنفيذية من ناحية، والأبعاد القيمية والثقافية والسلوكية من ناحية أخرى لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماما فمفاصل الدولة ينخرها الفساد وجميع المسؤولين يتعهدون بمكافحة الفساد ويتوعدون الفاسدين، لكن لا أحد تجرأ يوما على استئصال المشكلة أو على الأقل التقليل منها. هذا ما أكده ابراهيم الميساوي رئيس الجمعية التونسية لمقاومة الفساد مشيرا أن الطبقة السياسية تنبذ الفساد في الظاهر ولا تفعل شيئا في الباطن معتبرا أن هذه الأيادي المرتعشة لا يمكن لها أن تحل المشكلة.
قال محدثنا أنه تم نشر دراسة سنة 2015 أعدها المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية تؤكد أن أغلب رجال الأعمال في تونس يرون أن الديوانة التونسية من أكثر الإدارات فسادا في البلاد. كما بينت نفس الدراسة أن ٪33 من المؤسسات التي قامت بنشاط تجاري مع الخارج خلال السنتين الأخيرتين صرحت بأن أعوان إدارة الديوانة طلبوا منهم أموالا كرشاوى لتسهيل معاملاتهم الديوانية و أشار الميساوي في السياق ذاته أنه قبل ذلك وتحديدا في سنة 2013، أثبتت دراسة أنجزها البنك الدولي حول التجارة الموازية أن حجم التجارة الموازية مع ليبيا والجزائر يفوق نصف حجم التجارة المنظّمة مع هذين البلدين وهذا مرّده حسب الدراسة الى تفشّي الفساد في صفوف أعوان الديوانة.

إعلان الحرب على الفساد

كل نواقيس الخطر أصبحت تدق في البلاد تعلن أن تونس تجاوزت كل الخطوط الحمراء في ظاهرة الفساد و أن الأمر لا يمكنه ان يتواصل على ما هو عليه ويجب التحرك ووضع خطة لمحاربة الفساد وتنفيذها في أقرب وقت ممكن والعمل على تفكيك منظومة الفساد والتنسيق مع السلطة التشريعية لمراجعة القوانين إضافة إلى رصد إمكانيات مادية ولوجستية للهيئة والقضاء وهيئات الرقابة وغيرها. و في هذا الاطار توجهنا إلى العميد شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بخصوص ملف الفساد في قطاع الديوانة وقد اعتبر أنه لا يمكن التعاطي مع ملف الفساد والحوكمة الرشيدة بقطاع الديوانة إلا وفق مقاربة إصلاحية تعتمد على تفكيك منظومة الفساد التي وضعت في فترة الاستبداد، مشددا على أنه لا يمكن تفكيكها دون مراجعة القوانين التي لها علاقة بمنظومة الفساد.
وأكد الطبيب على ضرورة تعصير إدارة الديوانة بهدف التقليص من الفساد، وإخراج هذا السلك من كافة التجاذبات وخاصة المتعلقة بالانتدابات والترقيات، مبرزا أهمية القيام بمساءلة ومحاسبة كل من ثبت تورطه في الفساد، والقطع مع عقلية الإفلات من العقاب.
وبين أن اهتمام الإدارة العامة للديوانة للقطع مع الفساد ومقاومته بكل الطرق أمرا هاما باعتبار أن مكافحة هذه الظاهرة تمثل واحدة من أبرز أولويات الحكومة الوطنية. مشيرا إلى أنه على السلطة القضائية الوعي بأننا في حرب ضد الفساد والإرهاب وعليها أن تكون في مستوى هذه الحرب وإعطائها الأولوية مع احترام الحقوق والحريات وإجراءات المحاكمة العادلة.

إرادة وطنية لمكافحة الفساد

«بدأنا نرى نوعا من الأمل في مجال مكافحة الفساد لأن هناك إرادة وطنية أصبحت واضحة وجلية ومناهضة للفساد وهي بصدد تحريك الإرادة السياسية وهذا يتطلب شيئا من الصبر وكثيرا من التضامن وبحول الله سننتصر على الفساد والفاسدين».هذا ما أكده السيد عادل بن حسين المدير العام للديوانة معتبرا أن التعامل مع ملفات الفساد في الديوانة شديد الحساسية لأن الاتهامات تأتي من جميع الاتجاهات و تمس من شرف عديد الأعوان. و أكد أنه تم العمل على الملفات و خلال 2016 وقع إحالة 100 عون على مجلس شرف الديوانة في تهم من بينها التقصير في العمل، وقبول هدايا من طرف المتعاملين مع مصالح الديوانة وسوء السلوك والاعتداء بالعنف والتعامل المشبوه مع متعاملين مع مصالح الديوانة و تم عزل 29 ديوانيا من عملهم. وبين بن حسين أنه خلافا لهذا فقد تم التنسيق مع عديد الهياكل الرقابية و الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتم تنفيذ برنامج مع المنظمة العالمية للديوانة في مقاومة الفساد. وأفاد أن مساعي الإدارة العامة حثيثة في الحد و اجتثاث ظاهرة الفساد من قطاع الديوانة مشيدا بالعمل الكبير الذي يقوم به الأعوان في مقاومة التهريب وقال بن حسن إن الديوانة بجميع أسلاكها تمكنت سنة 2016 من حجز بضائع بلغت قيمتها 500 مليون دينار، وأنه وقعت تصفية ما قيمته 20 مليون دينار منها كما تطرق بن حسين إلى مخطط تحديث الجمارك الرامي إلى دعم مقاومة التهريب، حيث يتعلق المخطط الذي يمتد على 5 سنوات 2016/ 2020، بالخصوص برقمنة الإجراءات وتبسيطها وتوفير المقرات اللائقة والتجهيزات الخاصة بالجمارك. كما يتضمن نفس المخطط، الذي جاء بعد عمليات تشخيص، برامج التدريب الضرورية.

ضرورة توفر الامكانيات اللازمة

كشف لنا مصدر مطلع من الديوانة التونسية أن الكلفة الجملية لتعصير الديوانة تقارب المليار دينار و وأنه يشمل تعصير المنصات الرقمية و التجهيزات، مؤكدا أن التجهيزات التي ستمكننا من محاربة التهريب باهضة الثمن و تتطلب إمكانيات هامة، وأضاف أنه يجب توفير 18 جهاز سكانار في المعابر الحدودية و تنقسم إلى عديد الأنواع.
و أشار أن هناك 3750 عون أصبحوا مسؤولين سامين عقب الترقيات الأخيرة مما تسبب في نقص في عدد الأعوان معتبرا أنه لا يمكن السيطرة على المعابر إلا بتوفر عدد معقول من الأعوان. وقال محدثنا أنه رغم هذه النقائص فإن هناك نتائج طيبة حققتها إدارة الديوانة في استخلاص المعاليم والأداءات الديوانية التي سجلت ارتفاعا بنسبة 11 بالمائة.
إن الوضع الحالي للبلاد في ظل التحديات الداخلية والخارجية، يستوجب القيام بإصلاحات عميقة بما فيها إصلاح المنظومة الديوانية من خلال المزيد من تبسيط الإجراءات وتكريس شفافية إسداء الخدمات الإدارية وتحسين جودتها، بما يسمح بالرفع من القدرة التنافسية للمؤسسة وتوفير المحيط الملائم للاستثمار.
ما أجمع عليه جل المتابعين للوضع العام للبلاد التونسية أن الفساد عموما قد عطل تحقيق النقلة النوعية للاقتصاد التونسي وتسبب في هروب رؤوس الأموال وهروب أغلب المستثمرين التونسيين والأجانب..و تفيد العشرات من البحوث والدراسات واستطلاعات الرأي حول الفساد أجراها خبراء في الاقتصاد في السنوات القليلة الماضية، أن تأزم العلاقة بين الاستثمار والتنمية من جهة وكفاءة المؤسسات الحكومية من جهة أخرى أدى إلى تعطيل عجلة النمو. فتحريك عملية التنمية المستدامة يتطلب الشفافية وردع الفاسدين وهو ما تفتقر إليه تونس حتى الآن. فهل ستفوز الإدارة العامة للديوانة في رفع التحدي من خلال اجتثاث آفة الفساد من القطاع الذي يعتبره الخبراء بوابة رئيسية في القضاء على الفساد ؟


DOUANE FM


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire